حتى لا تتحول الميزة إلى عبء (2)
نترحم علي أرواح الشهداء الأبطال ونحي شبابنا ركيزة الوطن وعماد المستقبل أولئك الذين صنعوا الملحمة التاريخية والبطولات التي أنجزت ثورة الشعب في 17 فبراير.
تحدثنا سابقاً في المقال الأول "حتى لا تتحول الميزة إلى عبء" في العدد الرابع لصحيفة ميادين والذي نوهنا فيه إلى أن ليبيا مجتمع شاب تغلب عليه الشريحة العمرية الواقعة في سن التعلم وهي تمثل ميزة عظمى وطاقة استثمارية كبيرة لو أحسن استغلالها في تنمية بشرية متكاملة، وليس كما حدث سابقاً من كونها عبئاً على الدولة لم تتمكن من مواجهته وبالتالي آلت إلى تدنى مستوى التعليم وارتباك إداراته، ولذلك فإن الاهتمام ببناء الإنسان سلوكاً وأخلاقاً وقدرات عقلية وجسدية يجب أن تكون في طليعة الأهداف وفي مقدمة الأولويات لثورة الشباب، ويقيناً بأن الإدراك الواعي بقيمة الإنسان كمحور ارتكاز تدور حوله وتستند عليه التنمية الشاملة, فالإنسان هو منبع الإبداع وهو صانع التنمية وأساس كل تقدم وازدهار والعمود الفقري لكل شعب, وحيث أن الاستثمار في الإنسان هو الأهم في سياق التنمية الوطنية، ذلك فإن العائد المرجو من هذا الاستثمار ينعكس بصورة ايجابية ومباشرة على مستقبل الدولة وعلى قطاعاتها المختلفة، وبقدر ما يكون هناك اهتمام بالعنصر البشري وتكوينه وتأهيله وتوجيهه نحو الغايات العليا، يكون الغد مشرقاً والمستقبل مزهراً.
ثورة 17 فبراير أبرزت أهمية التعليم ورفع سقف التوقعات بإصلاح التعليم وتطوير الجامعات وترقب الناس إحداث طفرة كبيرة تتلاءم مع هذه الأمنيات التي ترتقي إلى مستويات دولية رفيعة، لذلك وجب التنبيه إلى أهمية تحقيق الاستقلالية الكاملة للمؤسسات التعليمية وأن تنأى الدولة الجديدة بنفسها عن الانغماس المباشر في إدارة المؤسسات التعليمية والتدريبية، وإلى أهمية أن تقوم بتشجيع التوسع في الاستثمار المحلي والخارجي في مجالات التعليم والتدريب وتشجيع الاستثمار البشري وتخصيص الموارد المالية اللازمة للتطوير والدعم والتمويل، ويستلزم الأمر إعادة النظر في القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعليم والتدريب والبحث والتطوير من خلال تحقيق لا مركزية في اتخاذ القرارات الخاصة في أنظمة القبول والمناهج لزيادة المرونة وخلق تنافسية، وربط الجامعات والمعاهد ومؤسسات البحث والتطوير بمرافق الشغل والخدمة، كذلك بناء منظومات تدريب وإعادة تأهيل وطنية وفعالة في سبيل إعادة تأهيل الأطر العلمية والفنية الحالية، لتكون قادرة على الانخراط في عملية التنمية القادمة، و تدريب الأطر العلمية والفنية المشاركة في عملية التنمية لتلبية الحاجات المستجدة.
المطلوب من الدولة في ليبيا الجديدة التي نأمل جميعاً تحقيقها، أن تنأى بنفسها عن الانغماس المباشر في إدارة المؤسسات التعليمية والتدريبية، أو إخضاعها لأي هيمنة سياسية أو مركزية إدارية، وأن تتولى القيام بالمهام التنظيمية والإشرافية والرقابية فقط وذلك من خلال إقامة مراكز ضمان جودة واعتماد وطنية مستقلة، تقوم بمعايرة وضمان جودة المناهج وطرق التدريس والتدريب والتعلم، تتولى مهمة اعتماد البرامج التعليمية والتدريبية في المجال الأكاديمي والمهني بما يلبي الاحتياجات المحلية وفقاً للمعايير والمواصفات والأساليب الدولية، كما تتولى الإشراف علي تنفيذ البرامج التدريبية اللازمة لتأهيل أصحاب المهن لتمكينهم من اجتياز اختبارات الجودة، وتضع المعايير والمواصفات اللازمة لتصنيف المهن ومعايرتها بما يتماشي واحتياجات سوق العمل، وإذ تمنح شهادات المعايرة المهنية والتعليمية طبقاً للمواصفات والإجراءات القياسية المعمول بها دولياً، تقوم بتحليل أداء المراكز التدريبية والمهنية والتعليمية وقياس مستوي جودة الأداء وتحديد ما قد يوجد من جوانب القصور وما يلزم لتلافيها تحقيقاً لمستوي الجودة المطلوب، وإلى جانب ذلك تضع برامج تدريبية في مجال التفتيش وضمان الجودة للمراكز المهنية والتعليمية من اجل رفع كفاءتها وفقاً للمعايير الدولية، والقيام بعمليات التفتيش عليها.
تتولى الدولة مهمة إثراء الفكر الأكاديمي والمهني عن طريق دعم وتمويل مناشط التأليف والنشر وإجراء البحوث العلمية النظرية والميدانية والدراسات المهنية وترجمة الأعمال العلمية المتميزة ، والقيام بأعمال جمع وتوثيق ونشر المعلومات.
إن الثورة، التي تمتلك الإرادة القوية والعزيمة الصلبة والتصميم على خلق المستقبل الزاهر، ستتوج هذه الملحمة الشبابية الرائعة وتحقق النهضة العلمية القادرة على تصحيح تموضع ليبيا على الخارطة العالمية، وتجعل من شباب ليبيا شأناً عظيماً.
وللحديث بقية
عاشت ليبيا حرة ومستقلة، وعاشت ثورة الشباب
العزة لله، والمجد للشهداء
د. محمد سعد أمبارك
رئيس الجامعة الليبية الدولية للعلوم الطبية