مقــالات

حتى لا تتحول الميزة إلى عبء (4)

 

dr

نترحم على أرواح الشباب الذين قدموا أنفسهم للوطن من أجل أن نحيا حياة كريمة وأن ننعم بخيرات وطننا ونضمن مستقبلاً زاهراً للأجيال القادمة، ووفاءً لدمائهم الزكية وجب علينا أن نولى التعليم الأهمية القصوى وأن نصحح ما حدث فيه من خلل، الغالبية العظمى من الليبيين شباب يستحقون الحصول على فرصة التعليم الراقي الذي يضمن لهم الحياة العصرية والكريمة، الاهتمام الذي يحول هذه الطاقات الهائلة إلى قوة عظمى ولا يشكل عبئاً كما كان ينظر إليه نظام القذافي المنهار.

إن التعليم والتأهيل واكتساب المهارات، هي الآليات اللازمة لتفعَّيل القدرات الشبابية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات،  مقترنة بضرورة التحديث والتطوير المستمر للمناهج والنظم الدراسية للارتقاء بمستوى التعليم وتحسين نوعية وجودة المخرجات وملائمتها لسوق العمل ورفع قدراتها على المنافسة الدولية, وتوفير الأجواء المناسبة الجديدة للإقبال على اكتساب العلوم والقدرات الإبداعية ومواصلة المثابرة في تنميتها وتطويرها، بخلاف الطرق التقليدية في التعليم التي صارت سببا للنفور من التعليم واستعجال التوجه لوظائف هامشية لا تستجيب لمتطلبات الحياة المعاصرة والمشاركة في بنائها بقدر ما تلبي رغبات أو حاجات محدودة تبقي الإنسان بعيدا عن قيم التطور وطبيعة العالم المعاصر, ولكي لا يجد هؤلاء أنفسهم خارج عالم اليوم لا الغد عندما يواجهون ظروفهم بلا أدوات التعايش مع عالمهم الجديد. 

يتميز عالمنا اليوم بالتطور السريع في المعرفة المتاحة، فإن خريج هذا العصر يحتاج لأن يكون تعلمه ذاتياً وأن يمتلك مهارات حرية وذاتية التعلم وتعدد مهارات التعلم لكي يستفاد منها للتعلم مدى الحياة وفي القدرة على التحليل والنقد وحل المعضلات والقدرة على دمج المعرفة والمهارات من عدد من التخصصات بالإضافة إلى مهارات التواصل المبنية على أسس علمية ليصبح عضو فاعل في مجال عمله والمجتمع. إن أساليب التعليم التقليدية تُشجع على ما يُعرف "بالتعلم السطحي"، ويستعمل هذا المصطلح لوصف عملية حشو كم هائل من المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى, وحيث أنه لم يتم استيعابها وتوظيفها وبالتالي استرجاع خبره تراكمية لديه مما يؤدي إلى أن تندرج في الذاكرة طويلة المدى ، لذلك نشاهد الفارق الشاسع بين الكم الهائل من المعلومات التي تم ضخها في ذهن الطالب وقدراته المهنية في التعامل مع المشاكل الفعلية للمجتمع, أو احتياجات سوق العمل. وأبرز العيوب الرئيسية في أساليب التعليم التقليدية في عدم إقحام الطالب إيجابياً وعدم جعله مركزاً رئيسياً في العملية التعليمية, وفي حشو المنهج بموضوعات غير مجدية ومكررة إلى جانب انعدام التكامل بين التخصصات، وعدم تأهيل الطلبة للاستمرار في التعلم بعد التخرج والصعوبة التي يواجهها كثير من الخريجين  في تطبيق ما تعلموه في حياتهم العملية. إن التركيز على الحفظ يؤدي إلى جمود في التفكير بل يمكننا اعتباره مضيعة للوقت والجهد إلى حد بعيد ويؤدي هذا إلى إنتاج أجيال غير قادرة على التطوير والإبداع أو التعامل مع المتغيرات المختلفة. ( إن ما يناسب الحياة من طرق تفكير في زمن سابق لا يناسب بالضرورة الحياة في أزمنة أخرى و إنه لمن الخطر بمكان إنتاج أجيال غير قادرة على التحول و التكيف مع الظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة).

Read More

تحول العالم ومنذ أكثر من أربعة قرون سابقة إلى التوجه إلى أساليب أكثر تطوراً لتحقيق أهداف التعلم الذاتي في أسلوب التعلم القائم على المعضلات المطبق بالجامعة الليبية الدولية للعلوم الطبية ببنغازي ولأول مرة في ليبيا، وتتركز أهداف هذا النظام الرئيسية في التالي:

1-      الحصول على كم معرفي متكامل من مختلف العلوم (Integrated Knowledge  ) و يتطلب ذلك أعادة صياغة للموضوعات التي تتضمنها المواد العلمية الدراسية و تقديمها بشكل مندمج, فبدلاً من تقديمها للطالب منفصلة عن بعضها أفقيا و رأسياً, فإنها تقدم على هيئة سيناريو تعليمي يواجهه الطالب في ممارساته العملية.

2-      القدرة على استخدام هذا القدر الكبير من المعلومات و كذلك تحسينها و توظيفها و تحديثها بالقدر المطلوب اللازم للتعامل مع المشكلات الحقيقية في الحياة العملية.

3-      تنمية قدرة الطالب على التفكير العلمي الممنهج اللازم لحل المشاكل.

 

نشاطات التعلم الذاتي والتعلم عن طريق حل المعضلات صُممت لتطوير المهارات والخصائص المهمة ولممارسة المهنة مع المعرفة المتعلقة بالتخصص مباشرة, حيث بينت نتائج العديد من الدراسات المتعلقة بعملية التعلم باستخدام المعضلات أنه يشحذ الاهتمام الكامن في المحتوى وعند مقارنته بالطرق التقليدية للتعليم فانه أكثر إشباعاً وإمتاعاً للطلبة وهو يحظى بأعلى التقديرات فيما يخص اتجاهات أعضاء هيئة التدريس ومزاج الطلبة ومتغيرات العملية التعليمية والمقاييس الإنسانية والاستفادة الكاملة، وتلبيةً للحاجات الوطنية في البحث العلمي وبرامج التطوير المهني، ويكتسب الطالب في نظام التعلم القائم على المعضلات مهارات وقدرات مهمة لحياته العملية ،منها:

  • مهارة حل المشاكل Problem solving skill
  •   مهارة التفكير المنطقي Reasoning skill
  •  قدرة التعلم الذاتي Self-directed Learning
  • القدرة على التقييم الذاتي Self Evaluation
  • · كما يكتسب مهارات أخرى لحياته العملية منها القدرة على التواصل Communication Skills
  • · القدرة على العمل في فريق Teamwork Abilities
  • · اكتساب الأخلاقيات المهنية (Ethics) و إدارة النقاشات و الجلسات العلمية ومشاركة الآخرين في المعلومات واحترام أعضاء الفريق، فهو يبحث عن المعلومات و يحللها و يستبعد غير الملائم منها و يضع فروض لحل المشكلة، وبذلك فهو يكتسب مهارات ذهنية وحركية بالإضافة للمعارف التي لا حصر لها وهذه القدرات المكتسبة تدوم مادامت الحياة، و بالتالي يمتلك الخريج مواصفات ومزايا مهمة ويكون:
  • مانحا للرعاية: مزوداً بالقيم والمبادئ الأخلاقية بالإضافة إلي مراعاة الاختلافات الثقافية ومسلحاً بالقدرة علي تقديم الخدمة.
  • مفكراً ناقداً: له القدرة علي تقييم المعرفة والتقنية والمعلومات المتاحة اللازمة لحل المعضلات.
  • مديراً للمعلومات: يتفهم إمكانيات وحدود قدرات تقنية المعلومات وله القدرة علي استعمال هذه التقنية وتسخيرها لحل المعضلات والقدرة علي اتخاذ القرارات الناجعة.
  • قادراً على حل المعضلات: يستطيع بكفاءة وفاعلية استخدام مهارات الاستنتاج التي يتميز بها لحل معضلات ومشاكل المجتمع المختلفة.
  • قائــــداً: يستطيع أن يعمل بكفاءة في ظروف تعدد الاحتراف وتعدد التخصصات في ما بين وعبر القطاعات المختلفة.
  • متواصــلاً: يستطيع التواصل مع الأفراد والمجموعات.
  • مستشاراً:يتعامل بالحساسية المناسبة مع الغير ويساعدهم علي اتخاذ القرارات الملائمة.
  • مستخدماً للتقنيــــة: يستطيع أن يقوم بالاستخدام الأمثل للتقنية المتقدمة واضعاً نصب عينية الاعتبارات الأخلاقية والمالية والمنفعة النهائية للمستفيد من الخدمة .
  • متعلماً ذاتياً مدي الحياة: يستطيع امتلاك وتطوير المعرفة والمهارات المتعلقة بالمزاولة المهنية مدي الحياة.
  • باحثــاً: يستطيع أن يتعامل بكفاءة وإبداع مع مشاريع الأبحاث المختلفة الوطنية واحتياجاتها.
  • مدربــاً: يستطيع أن يدرب زملاءه وان يكون معلماً ناجحاً علي المستويين الفردي والمجتمعي.

وللحديث بقية

عاشت ليبيا حرة ومستقلة، وعاشت ثورة الشباب

العزة لله، والمجد للشهداء

 

د. محمد سعد أمبارك